النحل اللبناني من المتن الأعلى إلى قطر
صالحة لـ "أحوال": العسل اللبناني مشهود له بالجودة والنوعية
حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي كان مربو النحل في المتن الأعلى يعملون فرادى، لا إطار تنسيقياً يجمعهم، نقابة أو جمعية أو تعاونية، وكانت تربية النحل تعتمد على ما يراكم النحَّال من تجارب ويحتفظ بها لنفسه، أي أنّ التعاون كان معدوماً أو شبه منقطع، إلى أن حلَّت في تلك الفترة كارثة “الفاروا المدمرة” (الاسم العلمي Varroa destructor)، وأتت على أعداد كبيرة من القفران في مناحل المتن وسائر المناطق اللبنانية؛ يومها تداعى نحّالو المتن الأعلى لمواجهة تبعات المرض الوافد، وما شكّل من تهديد لهذا القطاع المنتج، وأعلنوا تأسيس “الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الاعلى” التي لعبت دوراً هاماً تخطى المنطقة إلى توحيد النحالين على مستوى لبنان.
تصدير النحل اللبناني
وتوالت إنجازات الجمعية في إطار تعاوني وحققت خطوات مهمة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وفي مجالات عدة متصلة بتربية النحل وحسن إدارة المناحل وتعميم تربية النحل عبر تأهيل المواطنين، وغيرها الكثير من الإنجازات والمحطات، لا بل يمكن أن تكون تجربة الجمعية مادة لإنجاز كتاب توثيقي يؤرّخ لهذا القطاع، أو إعداد دراسة انطلاقا مما حققه الرعيل الأول من كل من تعاقب على رئاسة الجمعية، ومنهم من مضى تاركاً أثراً عَطِراً في مسيرة معمَّدة بالبذل والتعب.
ويمكن أن نطلَّ لاحقاً على مسيرة الجمعية التعاونية ومحطاتها الأبرز وإنجازاتها الأهم في تحقيق منفصل، لكن ما استوقفنا في الأيام القليلة الماضية إقدام التعاونية على تصدير كميات من النحل اللبناني إلى دولة قطر، في خطوة لا تعزّز أهمية ومكانة النحل اللبناني فحسب، وإنما تكرّس فضاءً أكبر للتعاون مع دول عدة، ما ينعكس إيجاباً على العاملين في هذا القطاع، في ظل غياب شبه كامل للدولة ومؤسساتها المعنية.
صالحة: تخطي الأزمة الإقتصادية
وعن هذه الخطوة، قالت رئيسة التعاونية ناهدة رسلان صالحة لـ “أحوال”: “هدفنا وسط هذه الأزمات أن يتخطى قطاع إنتاج النحل الأزمة الاقتصادية، عبر إدخال العملة الصعبة (الدولار) إلى البلاد”، لافتة إلى أنّ “الجمعية أرسلت 600 قفير نحل إلى قطر”، وأضافت: “للأسف كنا نوّد أن نرسل المزيد لكن الوقت باغتنا، ولم يكن ثمة وقت كافٍ لتحضير قفران أكثر، وهذه القفران تم توفيرها من أحد عشر مربي نحل من التعاونية، على أمل أن يرتفع العدد إلى ما بين 25 و30 مربي نحل لاحقا وأن يصل عدد القفران إلى الآلاف مستقبلا”.
وعن توقيت إرسال القفران في هذه الفترة، قالت صالحة: “تحتاج الملكة لحوالي 21 يوماً لتضع البيوض، والنحل يتأقلم مع الجو في قطر، وإن كنا نتوقع أن يضعف عدد من القفران، ومن الممكن أن ينفق ما بين 4 و5 بالمئة من النحل، إلا أننا أخذنا كافة الإحتياطات، وأرسلنا القفران عبر شركة مختصة للتعامل مع الكائنات الحية”.
وأشارت إلى أن “وصول القفران يتزامن مع فصل الخريف في قطر في هذه الأيام، وهو يشبه فصل الصيف في لبنان، أي يمكن أن تصل درجة الحرارة إلى 30 أو 35 درجة مئوية، والآن هناك موسم عسل السدر القطري، ووجود القفران هناك يساهم في زيادة إنتاج هذا العسل المميز”.
مزايا النحل اللبناني
وعرضت صالحة لمزايا ملكة النحل اللبنانية، فقالت: “أشارت الجهة التي تسلمت القفران إلى أنّ التعامل مع قفران النحل اللبنانية كان سهلاً للغاية، وبعكس ما كان شائعاً، فالعاملون لم يرتدوا ملابس واقية، ولم يهاجمهم النحل في القفران، كما أنّ ملكة النحل اللبنانية التي نعتمدها في مناحلنا تعتبر منتجة إلى حد كبير، ولم نقم باستبدالها بملكات أجنبية كونها تأقلمت مع البيئة اللبنانية وأصبحت مقاومة للأمراض إلى حد كبير وإنتاجيتها أفضل؛ كما وأنّ العسل اللبناني يتميز بالشمع البلدي، وهو خال من الترسبات الكيميائية، ذلك أنّ النحل يعتمد على الطبيعة وخال من المبيدات التي قد تؤثر على قيمة العسل، ويمكن أن تتلفه الجهات الرقابية في الدول العربية”.
وأضافت صالحة: “نعتمد في علاج الفاروا على دواء Aptivar، وهو مبيد حشري بالملامسة، ومن صنع فرنسي، ومعتمد في كافة دول الإتحاد الأوروبي، والترسبات التي قد يخلِّفها تظل ضمن المعايير المسموحة، ومن المتوقع أن أسافر إلى قطر، للإطلاع على الإنتاجية والمراقبة عن كثب للخطوات المتخذة، على أمل أن يشمل الإستيراد كافة منتجات النحل من عسل وغيره”.
وأشارت صالحة إلى أنّ “بعض المربين يعتمدون على إنتاج العسل، بينما يجمع آخرون بين إنتاج العسل والقفران، وهدفنا خدمة الجميع، لذا نحاول تصدير العسل اللبناني بهدف دعم هذا القطاع المنتج”، آملة أن “تأتي الموافقة من بلدين عربيين آخرين في المستقبل القريب للتصدير، كون العسل اللبناني مشهود له بالجودة والنوعية”.
إنخفاض الطلب المحلي
ولفتت صالحة إلى ضعف وتراجع السوق المحلي، قائلة: “وسط هذه الأزمة الاقتصادية، وكون العسل مهم كغذاء وعلاج، نجد أنّ الناس وبسبب تراجع قدرتهم الشرائية يتجهون لشراء الأساسيات على حساب العسل، لذا انخفض الطلب المحلي بصورة كبيرة”.
وعن تأثير الحرائق على قطاع النحل في المتن الأعلى، قالت صالحة: “الحمدلله الخسائر قليلة لجهة القفران، حيث اتبعنا إدارة متكاملة ومستدامة، عبر تقشيش الأراضي التي توضع عليها القفران لحمايتها من خطر الحرائق، كما أننا لا نستعمل الإطارات كقواعد للقفران، بل نستعمل دعامات حديدية لرفع القفران عن الأرض، وقد ساهمت في حمايتها من الحرائق، إلا أنّ الخسائر الأكبر طاولت زملاءنا من الجنوب والشمال وبعض المناطق، حيث لم يقوموا بالإجراءات الإحترازية السابقة وللأسف فخسائرهم كبيرة”.
وإذ أشارت إلى أن هناك “خسائر في المراعي”، أكدت صالحة أنّ “النحل يستطيع السفر مسافات طويلة للحصول على الغذاء”.
أنور عقل ضو